د محمد رجب يكتب : أنا ويوسف والي .. لماذا استجوبوه في برلمان رفعت المحجوب ؟!
اختاره مبارك وزيراً للزراعة فغضب فؤاد محي الدين وقال : لا يفقه شئ في السياسة .. وهذه حكاية أجداده اليهود
عرفت الدكتور يوسف والي بعد أن عين وزيراً للزراعة في حكومة الدكتور فؤاد محيي الدين مع بدايات حكم الرئيس محمد حسني مبارك ، ودعوته لزيارة معهد إعداد القادة بمدينة السلام والذي كنت مسئولاً عنه في ذلك الوقت لكنه أناب أحد وكلاء الوزارة للمشاركة في ندوة الشباب والحديث بدلاً منه ، اتصلت به لـ أسأله لماذا لم يحضر ؟! ، وأخبرته أن جميع الوزراء يلبون دعوتنا ليتحدثوا إلى الشباب ومعهم عن سياسات وزاراتهم وهؤلاء الشباب يحضرون من كل أنحاء مصر وجامعاتها ، وقلت له إنها فرصة ليتعرف الشباب عليه ، شعرت انه كان متخوفاً آنذاك من نقد الشباب له أو هجومهم على سياساته الزراعية , لكنه استجاب لدعوتي وأصبح حريصاً علي الحضور في جميع الدورات .
– توتر علاقته برئيس الوزراء
وتوثقت علاقتنا , لكني لاحظت وجود حالة اشبه بـ الجفاء بينه وبين الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء حينها ، وتأكد هذا الجفاء بالدليل ، فقد كانت قواعد العمل بالمعهد تقوم علي تكليف شباب الدارسين أن يعدوا تقييماً للمحاضرين يوضحون به مدى الفائدة التي تحققت لهم , كما يعد مجلس إدارة المعهد تقريراً كاملاً عن تقييم كل أعمال المعهد بما في ذلك تقييم الحاضرين ومنهم الوزراء الذين تحدثوا للشباب ويعرض هذا علي جميع الدارسين في اجتماع عام وبعد مناقشته وإقراره يرفع للأمين العام للحزب د . فؤاد محي الدين وكنت أحرص علي عدم التدخل بالرأي في هذا التقييم .
– دعوته ليتكلم في السياسة
وذات يوم كنت في مقابلة مع الدكتور فؤاد فسألني : إيه حكاية يوسف والي ؟ من الذي يدعوه للحضور للمعهد ؟ قلت : أنا من يدعوه لكي يتكلم عن السياسة الزراعية ، فقال : ” هو ده يعرف حاجة عن السياسة ” ، قلت : ” مش ده الوزير المسئول ؟ لكنه أشاح بيده , ففهمت إنه غير راضي عن حضوره خاصة أن الشباب قيموا محاضراته تقييما ممتازاً , واستطردت : مش حضرتك اللي مختاره في الوزارة ؟ رد علي الفور قائلا : لا مش أنا اللي اخترته , الرئيس هو اللي اختاره ، شعور محيي الدين بأن مبارك هو الذي رشح والي للوزارة جعله لا يرتاح كثيراً لوجوده ويبدو أن نفس الشعور كان لدى والي لكنه كان يتعامل بحذر في هذه المسألة وكان يعلم مدى قوة فؤاد محيي الدين الذي جمع بين رئاسة الحكومة والأمانة العامة للحزب الوطني .
– يوسف والي حصل علي تقارير ممتازه
انتهي الحوار مع الدكتور فؤاد عند هذا الحد ويبدو أنه اعتقد أنني لن أدعوه للمشاركة في نشاط المعهد مرة أخرى ، لكني لم أجد مبرراً يمنعني من دعوته فاستمررت في دعوته وفي كل مرة يعد فيها المعهد تقريره , يكون للدكتور والي تقييما ممتازاً ، وفوجئت بالدكتور فؤاد محي الدين يطلبني للحضور إلى مكتبه فذهبت إليه فسألني : إيه حكاية يوسف والي ، أنا مش قلت لك ما يروحش المعهد وإنه مش بيفهم سياسة ؟ ، تنبهت لحساسية العلاقة بينهما وأردت أن أخفف منها وأن أعالج الموقف فالرجل رئيس للوزراء وأمين عام الحزب فقلت له : أفكر فعلا ألا ادعوه للمعهد مرة أخرى , فسألني : ليه ؟ قلت : لأنه يهدر نصف وقت المحاضرة في الحديث عن تاريخ فؤاد محي الدين منذ كان طالباً بالجامعة ودروه السياسي في محيط الطلاب ونضاله الوطني ويشيد بك إشادة بالغة .
– عندما التقينا في جنازة رئيس الحكومة
عندما سمع فؤاد محي الدين ما قلت وجدت ابتسامة على وجهه ولم يعترض على مبرراتي لدعوة د. يوسف والي ، واستمر يوسف والي مشاركاً في محاضرات المعهد ولقاءات الشباب ، وعندما توفي الدكتور فؤاد محي الدين ذهبنا لتشييع الجنازة وتصادف أن وجدت نفسي جالسا بجوار يوسف والي وتحدثنا في أمور كثيرة وبعد الجنازة سألني : هل معك سيارة ؟ قلت : لا أنا سأستقل سيارة أجرة في عودتي , فعرض أن أركب معه سيارته وقال : نروح الوزارة وبعدين السواق يوصلك ، وفي الطريق سألني : لماذا لم تستجب لما طلبه منك الدكتور فؤاد وتمتنع عن دعوتي للمعهد ؟ ، نفيت أن يكون الدكتور فؤاد قال لي ذلك ( فالرجل توفاه الله ولا داعي لمناقشة أمور انتهى أثرها ) ، قال : ” لا حصل , ولو أنا كنت مطرحك وقاللي لا تدعو فلانا كنت نفذت تعليماته ” ، فكررت له : ” بس ده محصلش ” وقررت تغيير مجرى الحديث , وكان الفريق سعد مأمون وزيرا للإدارة المحلية وأشاع أنه مرشح رئيساً للوزراء بعد وفاة محيي الدين ، فسألت الدكتور يوسف والي : هل صحيح أن سعد مأمون مرشح لرئاسة الوزراء ؟ ، رد والي بطريقة قاطعة : سعد مأمون مش جاي في حاجة وسوف يخرج من الوزارة ، نظرت إليه مندهشاً , فقال : فؤاد محي الدين خلص علي سعد مأمون قبل ما يموت .
– كان يتحدث وهو نائماً
توطدت علاقتي مع يوسف والي لكني لم أستطع معرفة ما يدور بداخله ، كنت أجلس معه وخلال حديثي أجده قد أغمض عينيه فأتوقف عن الكلام ظنا مني أنه نام , فأجده يقول : أكمل يا محمد وبعدين ماذا حدث , كان معروفاً بأن له هذه القدرة على المتابعة رغم إغلاق عينيه وإشعار الطرف الآخر بأنه في غفوة نوم ، بعد ذلك عين والي أميناً مساعداً ، ثم أميناً عاماً للحزب الوطني ومن المواقف التي كان طرفاً فيها وتسببت لي في مشاكل , مرة كان في مكتبه الدكتور إيهاب إسماعيل نائب رئيس جامعة القاهرة في ذلك الوقت ( بعد ذلك صار رئيسا لجامعة المنيا ) ، وكان الدكتور إيهاب وأنا أعضاء بالأمانة العامة للشباب فهو يعرفني معرفة وطيدة ، لذلك طرح علي يوسف والي أن أكون أميناً للتنظيم بالحزب ، وصارت حرباً شعواء بعدما وصل هذا الحوار إلي مسامع كمال الشاذلي الأمين العام المساعد للحزب وأمين التنظيم ، فقد ظن كمال أنني الذي طلبت من الدكتور إيهاب أن يتحدث مع الدكتور يوسف والي بهذا الشأن ، وهذا غير صحيح شكلاً ومضموناً لكنه سبب لي مشاكل مع كمال الشاذلي لفترة طويلة حتى جاءت الفرصة لتصحيح الصورة .
– كان يرفض تقوية الحزب الوطني
استمر يوسف والي في منصب الأمين العام للحزب ما يزيد على خمسة عشر عاماً وكان يري عدم تقوية الحزب لأن تقوية ستؤدي إلى منافسة بين الحزب والحكومة ، كان يطرح رأيه ذاك للمقربين منه وأنا أحدهم ، وكان يرى أن تولي فؤاد محيي الدين رئاسة الوزارة والأمانة العامة للحزب الوطني في وقت واحد خطأ كبير ، وبعد انضمام مجموعة جمال مبارك للأمانة العامة للحزب وظهور نعرة الحرس القديم والحرس الجديد دارت مناقشات في اجتماعات الأمانة حول أهمية تقوية الحزب وزيادة فعاليته ، لكن يوسف والي اعترض على هذا التوجه وتصدى له ، مؤكداً أننا لا نسعى لأن يكون الحزب قوياً وأن واقع الحزب معقول ومقبول بهذا الشكل ، وأعتقد أن الصدام كان قد طفا على السطح بسبب الخلاف بشأن تقوية أو عدم تقوية الحزب الوطني وقد انتهى الأمر إلى حدوث تغيير في منصب الأمين العام للحزب وتولى صفوت الشريف هذا المنصب ، وما لاحظته وأكدته الأحداث أن الدكتور يوسف والي كان حريصاً على البعد عن الصراعات والخلافات ، حتى لو كان الأمر بشأن قوة أو ضعف الحزب .
– اكاذيب جذوره اليهودية
ولد يوسف والي في عام 1930 وتخرج في كلية الزراعة وفي عام 1984 رشح لعضوية مجلس الشعب عن الفيوم وقد بقي وزيراً للزراعة حوالي 20 عاماً لم يكن يحصل على مرتب من الوزارة لأنه كان ميسور الحال وفضل أن يكون إنفاقه من ماله الخاص ، عاش يوسف والي أعزباً لم يتزوج وكان يذهب إلى عمله في الوزارة في السابعة صباحاً ويؤم العاملين في الوزارة في الصلاة ، وللأسف أطلق بعض المعارضين عليه الشائعات مرة بشأن عدم زواجه ومرة بالإدعاء بأن له جذور يهودية ، بينما الرجل كان من الشرفاء والنزهاء والمتدينين وكان يمارس عمله مستقلاً سيارة بدون حراسة ويجلس بجوار السائق ويفتح نافذة السيارة بدون خوف , وكان بسيطاً في ملابسه وهو القادر على إرتداء أفخر الثياب ، وأطلقت الشائعات ضد والي أيضا بشأن علاقته بإسرائيل وأنه خضع لتأثير هذه العلاقة فيما يرتبط بإدخال زراعات تنمو داخل الصوبات واستخدام طرق الري بالرش والتنقيط ، بينما أهمل زراعة القطن والقمح , كما اتهم بأنه وراء التشريع الخاص بتعديل قانون الإيجارات الزراعية لصالح الملاك حيث أتاح لهم القانون إخراج المستأجرين وذلك مجاملة لأصحاب الأراضي .
– جوله ليليه في جنوب سيناء
بعد تحرير سيناء رافقته في زيارة لشبه الجزيرة العائدة وكان معنا الدكتور ناجي شتلة الذي صار وزيرا للتموين فيما بعد وهو من الخبراء في مجال الزراعة بالإضافة إلى رئيس هيئة الثروة السمكية وكنا في أمانة الشباب قد أقمنا مشروعا للشباب في منطقة نويبع ، وأذكر أن الدكتور شتلة أصابه الخوف وانفعل بشدة بسبب تحركنا في سيناء خلال الليل وكانت إسرائيل مازالت موجودة في بعض المناطق وخشينا أن يتم القبض علينا إذا ما ضلت السيارة طريقها في منطقة من المناطق التي مازالت محتلة ، واستطعنا أن نصل إلى شمال سيناء حيث استقبلنا اللواء منير شاش محافظ الشمال وقتها وكنت أعرفه جيدا حيث كان مسئول الاتصال معي بتكليف من المشير عبد الحليم أبوغزالة بشأن مشروعات الشباب .
– خرج بعد الاستجواب قوياً
عندما تولى الدكتور رفعت المحجوب رئاسة مجلس الشعب تم تحديد موعد لمناقشة استجواب مقدم للدكتور والي وزير الزراعة ، وخشى الدكتور والي أن يكون الاستجواب مدبر لإحراجه أو التأثير عليه داخل الوزارة فقمت بالاتصال بالدكتور حسين كامل بهاء الدين أول رئيس لمنظمة الشباب ووزير التعليم فيما بعد , وكان الدكتور بهاء الدين صديقاً مقرباً من الدكتور رفعت المحجوب وسألته عن كواليس هذا الاستجواب ، وهل هو مدبر ؟ ، فقال لي بهاء الدين أن هذا الاستجواب في صالح الدكتور يوسف والي لأنه سيمنحه فرصة للرد على أي اتهامات له ، واستعراض جهوده وسياسته في الوزارة ، وبالفعل كان الدكتور رفعت المحجوب مساعداً له على تحقيق ما قاله بهاء الدين وخرج والي بعد الاستجواب أقوى من ذي قبل .
– قضايا ملفقة
استمر والي باقيا في منصب الأمين العام وقضى فيه أطول مدة قضاها أي أمين عام وتم تغييره عام 1984 وتعيين صفوت الشريف أمين عام إلى أن وقعت أحداث يناير ٢٠١١ ، وتم القبض على عدد من قيادات الحكم والحزب البارزة وزج بهم في السجون ومنهم الدكتور يوسف والي في قضية ملفقه برأته فيها المحكمة ، كان رجلاً شريفاً , كان ينفق من ماله الخاص ولم يكن يتقاضى مرتباً من وظيفته الحكومية .
كاتب المقال : زعيم الأغلبية الأسبق بمجلس الشوري والمستشار السياسي لرئيس حزب الحركة الوطنية المصرية