شخصيات و مقالات

د محمد رجب يكتب : كرباج كمال الشاذلي .. بعبع النواب وفزاعة الوزراء .. كان يدير البرلمان بحاجبه

غضب مني عقب اجتماع مع مبارك .. حذرت فيه من قوة التنظيمات المتطرفة .. فقال لي : خلّي الصراحة تنفعك

– الشاذلي ابرز عمالقة السياسة .. يشبه وزير الدولة السلجوقية .. والكاردينال ريشيليو وزير البلاط الفرنسي

موقفان أتذكرهما كثيراً ، عن علاقتي مع الراحل كمال الشاذلي وزير شئون مجلسي الشعب والشوري الاسبق ، والممتدة معه منذ ستينات القرن الماضي ، كان كمال زعيماً منذ بواكير حياته ، في الثلاثين من عمره كان أميناً للاتحاد الاشتراكي في محافظة المنوفية ، وهي من المحافظات المهمة سياسياً ، وهو ما يعني أنه كان محل ثقة صاحب القرار ، كما أنه انتخب عضواً بمجلس الأمة عام 1964 عن دائرة الباجور ، وهو العام الذي انتخب فيه الرئيس أنور السادات عن دائرة تلا ، وتولى خلال الفترة من 1964 وحتى 1969 رئاسة مجلس الأمة .

– دخل موسوعة جينيس كاقدم نائب في العالم

كان كمال الشاذلي وقتها في سن الثلاثين أيضاً ، وامتدت عضويته إلى عام 2011 أي حوالي 47 عاماً ، وهي أطول مدة متصلة أمضاها نائب في العالم ، ولذلك سجلت اسمه موسوعة جينيس ، كصاحب أطول فترة نيابية انتخابية في العالم .
الموقف الأول : عندما كنا عند الدكتور فؤاد محيي الدين رئيس الوزراء في نهاية السبعينات ، وتطرق النقاش إلى مسألة رغبته في تعييني رئيسا للمجلس الأعلى للشباب والرياضة بدرجة وزير ، بدلاً من الدكتور عبد الأحد جمال الدين ، كان الدكتور عبد الأحد مريضاً ويقيم في المستشفى في انتظار إجراء عملية جراحية ، قلت لرئيس الوزراء أن الدكتور عبد الأحد صديقي ، وإن حدث أن قررت أن أكون بديلاً له سأشعر وقتها أنني خنت صداقتنا ، إلا لو أنك عينته في مكان آخر أعلى ، فقال د. فؤاد : لا تشغل بالك ، من المؤكد أننا لن نستغنى عنه وسنجد له موقعا آخر يليق به ، قلت له : إلى أن يتم ذلك لا أحبذ تعييني محله .
وبعدما خرجنا من مكتب رئيس الوزراء قال لي كمال الشاذلي : إيه الخيبة اللي انت فيها دي ، حد يعرض عليه رئيس الوزراء منصب وزير ويرفض !! ، قلت له : دكتور عبد الأحد صاحبي ولن أخونه ، فرد قائلا طيب ، خلي صداقته تنفعك .

– اكتسب ثقة عبد الناصر والسادات ومبارك

كنت قد عرفت الشاذلي في الستينات قبل ذاك الموقف بسنوات ، فقد امتد عمره السياسي خلال فترات عهود الرؤساء جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك كان الشاذلي يتمتع بخبرة تنظيمية كبيرة ، واستطاع من خلال ثقة الرؤساء فيه أن يسيطر على مقدرات الحزب الوطني ومجلس الشعب طوال فترة وجوده أميناً للتنظيم ، فقد كان صاحب دور مؤثر جداً في اختيار مرشحي الحزب الوطني لمجلسي الشعب والشورى ، كان الشاذلي بعبع النواب وفزاعة الوزراء .

فكما قلت كان المسيطر على الترشيح للانتخابات البرلمانية عن الحزب ، وهو ما يتيح للمرشح فرصة كبيرة للفوز , وفي داخل المجلسين كان مسيطراً على الترشيح لرئاسة اللجان وغيرها , وقد أتاحت له هذه السيطرة القدرة على إخضاع الوزراء لوجهة نظره في أي موضوع برلماني أو حزبي من خلال التلويح بمحاسبة هذا الوزير أو ذاك تحت القبة ، من باستخدام أدوات الرقابة البرلمانية على الحكومة من طلبات إحاطة وأسئلة واستجوابات وطلبات مناقشة وغيرها .

خبير بدهاليز العمل البرلماني

كان الشاذلي خبيراً بدهاليز العمل البرلماني ، وكواليس الحزب ولو في أبعد شياخة ، كان يعرف العائلات ورموزها وأعضاء الحزب بها ، ولذلك كان يحدد مواقع البرلمان أو المجالس المحلية لكل عائلة ، مراعياً التوازنات ويتحرك في هذا المجال بمرونة وسهولة ، جعلت منه شخصية لا يستغنى عنها ، يذكرنا بعمالقة السياسة في الماضي على غرار نظام الملك ، وزير الدولة السلجوقية ، أو الكاردينال ريشيليو وزير البلاط الفرنسي ، إبان حكم الملك لويس الثالث عشر ، وغيرهم من رموز التخطيط والتدبير .

– حكاية صدامه مع كمال الجنزوري

كان الشاذلي قادراً على الاحتفاظ بثقة الرئيس مبارك دائما ، وحتى لو اختلف مع رئيس الوزراء ، فإن الرئيس لا يضر كمال الشاذلي الذي كان كرباجاً ، وزعيماً لـ الأغلبية لفترة طويلة ، يعرف كيف يثير القاعة ؟، وكيف يهدئ الأعضاء ؟، وكان قادراً بحاجبه على تسيير المجلس حيثما يريد ، كان يعقد الصفقات مع المعارضة ، ويحتوي أعضاء أحزاب الأقلية ويحترم أشخاصهم ، كما اصطدم الشاذلي بالدكتور كمال الجنزوري رئيس الوزراء وأحد أبناء المنوفية ، لكن الرئيس مبارك لم يعصف بالشاذلي ، وترك مساحة من الحرية يتنافس فيها الطرفان ، إلى أن أقيل الجنزوري واستمر الشاذلي ، الذي كان يقرأ ملامح كل مرحلة ، لكي يتواءم معها وقد نجح في ذلك تماماً .

– تفاصيل خلافاته مع مجموعة جمال مبارك

اصطدم الشاذلي أيضا بمجموعة جمال مبارك وأولهم أحمد عز ، الذي ورث منصبه أميناً للتنظيم ، بعدما بدأت نبرة وجود حرس جديد ، بديلاً عن الحرس القديم ، الذي كان الشاذلي أبرز رموزه ، واصطدم الشاذلي أيضاً بالمستشار عدلي جسين الذي كان لفترة محافظاً للمنوفية ، كان حسين يعتز بنفسه لكن الشاذلي كان يعتبر نفسه كبير المنوفية ، وبالتالي لا يجوز لأحد أن يخرج عن طوعه ، ولم يقبل عدلي حسين هذا الأسلوب ، وبدأ أتباع الشاذلي يروجون أنه سيبعد عدلي حسين من منصب المحافظ ، وعلم الرئيس مبارك بهذا الصراع ، فكلف اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات وقتها ، بالتدخل وحل المشكلة ، وكان عمر سليمان موقناً أن موقف عدلي حسين هو الحق ، وطلب عدلي حسين أن يستقيل ويعود لممارسة عمله بالقضاء ، لكن الرئيس مبارك قرر تعيينه محافظاً للقليوبية ، وفقد الشاذلي بذلك لذة الانتصار الكامل على عدلي حسين .

– غضب مني بعد اجتماع مع الرئيس مبارك

أذكر الموقف الثاني : الذي أتذكره كثيرا مع كمال الشاذلي الصديق اللدود ، وكان ذلك عام 1984 ، فقد دعيت لاجتماع مع الرئيس مبارك في منزله ، وكان عدد الحاضرين محدوداً ، منهم دكتور صبحي عبد الحكيم رئيس مجلس الشورى وأمين عام الحزب الوطني ، ودكتور يوسف والي وكمال الشاذلي ودكتور أحمد سلامة وبعض القيادات الشبابية وأنا ، ذهبت إلى الاجتماع تنتابني مشاعر ضيق لا أعرف سبباً لها ، كما أنني لم أكن أعرف الهدف من الاجتماع ، وفكرت في الاعتذار ، ولكن لم يكن هذا جائزاً ، فقررت أن أحضر الاجتماع بدون أن أتكلم ، رحب بنا الرئيس ودارت مناقشات وجدت أنها ليست على المستوى اللائق من اجتماع مع رئيس الجمهورية .

– حذرت مبارك من نمو التيارات المتأسلمة

ومع ذلك آثرت الصمت , لكن الرئيس لاحظ أنني لم أشارك في المناقشات فقال لي : مش ها تتكلم يا محمد ؟ ، فقلت : ما يشغلني ياريس هو حركة نمو التيارات المتأسلمة المتطرفة ، طلب مني أن أواصل الحديث ، قلت : من خلال متابعتي لحركة هذه التيارات تيقنت أنها صارت تملك تنظيماً قوياً , وأذكر بالتحديد أنني صليت الجمعة أمس في مسجد النور بالعباسية _ ، الذي كان في ذاك الوقت مازال تحت الإنشاء _ وكان المسجد مزدحماً وكثير من المصلين يفترشون سجادهم خارج المسجد من شدة الزحام ، المسجد تحت سيطرة جمعية يرأسها الشيخ حافظ سلامة الشخصية المعروفة بالسويس ، وكان سلامة يحضر إلى المسجد كل يوم جمعة للصلاة على رأس مسيرة تسمى المسيرة الخضراء ، وتعددت مرات صلاتي يوم الجمعة بالمسجد فعرفت مدى قوة تنظيمهم .

– تنظيم اقوي ممن اغتالوا السادات

وأضفت : لقد تعلمنا يا ريس أن التنظيم يواجه بتنظيم أقوى وأكفأ منه ، والكوادر تواجه بكوادر أكفأ منها ، وفي الحقيقة أننا لا نلك التنظيم أو الكوادر الكفؤة ، رغم أننا يمكن أن نبني التنظيم ، ونؤهل الكوادر ، قال الرئيس مبارك , إيه المانع ما تعملوا كدة ، وتحدث الدكتور صبحي عبد الحكيم موجهاً حديثه للرئيس فقال : أظن أن محمد رجب يبالغ في هذا الموضوع ، فنظر إليً الرئيس ، وقال : هل فعلاً أنت تبالغ يا محمد ؟ ، قلت : هذه وجهة نظري ، ولا أعرف إن كان ذلك يعني أنني أبالغ أو أن الوضع خطير فعلاً , لكن يقيني أن التنظيم الذي رأيته أقوى بكثير من التنظيم الذي اغتال الرئيس السادات ، وقلت : الإرهاب يحتاج مواجهة شاملة ولا يجب أن نكتفي بالجهود الأمنية ، وطلب الرئيس من القيادات المشاركة في الاجتماع إعداد ما يلزم لمواجهة الإرهاب والتيارات المتطرفة .

بعد ان خرجنا من الاجتماع تعرضت للانتقاد والهجوم من الحاضرين ، وسألني كمال الشاذلي : إيه اللي قلته للرئيس ده ، ما احنا مع بعض ، قلت : الرئيس طلب مني أن أتكلم بصراحة ، فكان لابد من أن أتكلم بصراحة ، قال لي : كدة طب خللي الصراحة تنفعك ، وبعدها تعرضت لمضايقات بالفعل ، وتعطلت مصالح المواطنين لفترة ليست بالقصيرة ، لكن خلاصة القول ان الرئيس مبارك لم يكن ليستغنى عن كمال الشاذلي ، فبعد أن احتدم الصراع داخل الحزب بينه وبين مجموعة جمال مبارك تم تعيينه رئيسا للمجالس القومية المتخصصة ، وهو موقع مهم وفي نفس الوقت يتبع رئاسة الجمهورية وبالتالي بقيّ كمال الشاذلي آنذاك كما هو في دائرة الضوء والسلطة والنفوذ .

كاتب المقال : المستشار السياسي لرئيس حزب الحركة الوطنية المصرية وزعيم الاغلبية الاسبق بمجلس الشوري

زر الذهاب إلى الأعلى