د نور الشيخ يكتب : جزاء العولمة
لأول مرة أجد قادة العالم مجتمعين، يستجدون شعوبهم بالإنصياع للأوامر،ولأول مرة أجد كل الشعوب تطالب حكوماتها بتطيق حظر تجوال كامل، هل أصبح العالم حقاً قرية صغيرة واحدة؟
والمريب فى الأمر أن كل الحكومات وكل الشعوب مشتركون فى ردود الأفعال،الشعوب المصدرة للحريات لايمكن السيطرة عليها والشعوب المطالبة بالحرية لا يمكن السيطرة عليها أيضاً، فقد شاهدت بعينى تعليقات الإنجليز على صفحة رئيس الوزراء البريطانى،كذلك أصدقاء فى جنوب أفريقيا، وفى مصر و جميع الدول التى أصابها الوباء كلهم يجمعون على ضرورة كبح جماح حرياتهم بالقوة.
أيعقل هذا؟! أن تكون شعوب الحرية وحكومات حقوق الإنسان هم أول من يطالبون بفرض حظر التجوال على أنفسهم، ألم يكن فى إمكانهم أن يجلسوا فى بيوتهم طواعيةً دون إجبار؟ ألم يكن بالإمكان أن يسير الأمر دون إستجداء واستعطاف من الحكومات؟
عدوى العولمة التى روج لها الغرب قديماً، أن يصبح العالم ثقافة واحدة من أجل التفاهم والتعاون والحب والإخاء، والتجارة والتوحد، أصبح سرابا لا طائل الٱن من اللحاق به، العالم يتصارع الٱن ولا أحد يبالى لأحد، لم تمد الدولة الأوربية يدها لإيطاليا ولم يمد أحد يده للصين ولم تبال الولايات المتحدة الأمريكية بأنين البلاد والألم يعتصر الشعوب والضحايا يتساقطون واحداً تلو الٱخر.
والمدهش فى الأمر أن كل الدول تعانى من ويلات الشائعات والأكاذيب والأخبار المضللة، حتى أن القنوات الأجنبية تذيع مواد إعلانية يومية عن خطورة الشائعات وأثرها على معدل القلق والتوتر والتكالب على الأسواق لدى المواطن الأوروبى، لم يتطرقوا تماماً لحرية تداول المعلومات الأن، لم يبالوا لحقوق الأنسان الأن !!! أراهم اليوم لا يبالون إلا بانفسهم.
القرية الصغيرة التى روجوا لها مليئة بالسفاحين ، يقتلون أهلهم بعدم الإلتزام، الشعوب الٱن تقتل نفسها بالتمرد وتغليب كفة الحرية على كفة المسئولية، فكل الثقافات التى سافرت عبر البلاد والبحار وانتقلت مع البضائع والتجارة العالمية أصبحت هى السائدة الٱن، الثقافات انتقلت من الأقوى إلى الأضعف حتى تساوى طرفي الكوكب فى الضعف، لم يُحسن حكام العالم الإهتمام بتراث أوطانهم بقدر ما اهتموا أن يقضوا على تراث العوالم الأخرى، فكانت الطامة الكبرى العالم أصبح وَهن فى مقاومة نفسه وشهواته وغرائزه.
كانت كل أهداف العالم القوى هى السيطرة على العالم الضعيف عن طريق القضاء على تراثه وثقافته الفطرية،البصمة المميزة له،أن يقضى على القيم الاجتماعية المُنظمة لبقائه، فأنحرفت السلوكيات وتبدلت بأخرى تسوق الشعوب للدمار وأختفت فضيلة الإيثار، ودون أن يدرى العالم الضعيف، استجاب وتخلى عن كل ما يميزه، تخلى عن بصمته الثقافية الوراثية.
وعكس المتوقع ان يصاب العالم القوى بنفس السطحية الثقافية،أصبح يعتنق الحرية على حساب المسئولية،يمارس الأنانية على حساب التَرَابُط فيحصد التخاذل من الجميع.
لا غنى عن التجارة بين البلاد، ايضاً لا غنى عن ثقافة كل دولة،لا غنى عن البصمة المميزة لكل دولة، العالم أصبح يعج بمفهوم خاطئ عن الحرية، العالم تخلى عن قيمه ومبادئه فى مقابل الحرية والإباحة وفرض الذات على الجميع، لم يعد العالم كسابق عهده يحترم الكبير بل لا يبالى له ولا يهتم طالما أن الفيروس سوف يقضى عليه ويبقى هو، أراهم اليوم لا يبالون إلا بأنفسهم، وهذا حصاد الحرية المطلقة ذات المفهوم الخاطئ، حصاد الحرية بدون ضوابط، حصاد القضاء على التراث الثقافى والسلوكى المميز لكل دولة على حدة،فلكل دولة منظومة من القيم تتيح لها البقاء والصمود أمام الغزوات والكوارث، والٱن بعد فناء هذه البصمة الوراثية والإجتثاث للجذور من أراضيها أصبح العالم يحتاج لها مرة أخرى.”ونحن بعد أن حطمنا مُثل الأجيال القديمة نُبصر اليوم صعوبة العيش بدونها، جوستاف لوبون”
كاتب المقال : امين التدريب والتثقيف بحزب الحركة الوطنية المصرية