عصام طه الدالي .. شهيد ولد ليكون بطلاً .. لقب بـ الأسطورة والفرعون الخارق
يبدو انه ولد ليكون بطلاً .. ففي كل الأجيال هناك ابطال عظماء يشق لهم غبار التاريخ .. يؤمنون بأن العيش يوماً واحداً كالأسود خيراً لهم من العيش مئات السنون كالنعام .. وبما اننا نعيش ذكري حرب اكتوبر المجيدة التي حقق فيها جيشنا نصراً مبيناً علي الاحتلال الاسرائيلي تلك الحرب التي أفرزت أبطالاً وشهداءاً مصريون يقف أمامهم التاريخ العسكري فخراً وافتخار .. فإننا نسلط بقعة من الضوء علي شهيد وبطل خالد من هؤلاء العظماء انه الرائد الشهيد عصام طه الدالي الذي لقب بـ ” الفرعون الخارق ” .. وبـ ” الأسد المصري العملاق ” .. وبـ ” بالإسطورة المصرية ” جراء ما قدمة من بطولات عسكرية وسيرة ذاتية تدرس في المعاهد والجامعات العسكرية .
وحقاً البطل الحقيقي يقاتل من خلال أي شيء .. واذا أردت ان تعرف من هو البطل فعليك ان تدرك انه الشخص الذي يكون جاهزاً لاي مهمة تطلب منه ، وفي الوقت ” اي وقت ” تختاره القيادة ” لا قبل ولا بعد ” .. ولعل المتتبع لقصة حياة الشهيد عصام طه الدالي يوقن انه كان هكذا لذا فلا نكون مبالغين ابداً اذا قلنا ان بطولاته ربما لا تعد ولا تحصي فقد قام بتأديب الإسرائيليين بعد أن إستفذوه وأسر ضابط صاعقة إسرائيلي عبر به قناة السويس سباحة ثم سلمه إلي القاهرة ، وهو صاحب عملية تفجير إيلات الأولي ، وصاحب أول عملية تفجير داخل إسرائيل ، وقتل نائب مدير مخابرات إسرائيل بسيناء ، كما قتل رئيس أركان بحرية إسرائيل بسيناء ، وأطلق 33 صاروخ على إيلات بمفرده ، قتل أكثر من 100 إسرائيلي في إيلات ، هو بطل عملية تفجير ميناء الكرنتينة بسيناء ، وصاحب ليالي أبكت اليهود الإسرائيليين ، أستشهد دفاعا عن البطل إبراهيم الرفاعي .. هو بحق الفرعون المصري الخارق الرائد الشهيد عصام الدالي ” .
عصام الدالي ضابط صاعقة مصري .. مواليد البدرشين الجيزة عام 1937 .. تخرج من الكلية الحربية عام 1958 .. عصام الدالي هو المخطط والمايسترو لكل عمليات المجموعة 39 قتال لما يمتاز به من ذكاء حاد وعقلية تحليل وتخطيط عسكري فذ لذا نستعرض هنا أشهر العمليات التي أشترك فيها بطلنا الشهيد :
1- عملية كمين شرق جبل مريم :
في هذه العملية شارك البطل الشهيد عصام الدالي يوم 26 أغسطس عام 1968 في عملية كمين منطقة شرق جبل مريم أمام الإسماعيلية وكان العدو الإسرائيلي يعكف أيامها علي إستكمال منظومته الدفاعية بالضفة الشرقية لقناة السويس ويستخدم الدوريات الراكبة المكونة من عدة عربات جيب مسلحة تتحرك بين نقاط ومواقع خط بارليف والذي كان وقتها في طور البناء والتطوير ، ولاحظت كتائب الإستطلاع المصرية علي الحد الأمامي للجبهة أن الدورية الإسرائيلية التي تعمل شرق بحيرة التمساح وجنوب المنطقة المواجهة للإسماعيلية تتعمد إستفزاز قواتنا غرب القناة بطريقة زائدة عن الحد ، فتم إتخاذ القرار بتأديب تلك الدورية الإسرائيلية وجعلها عبرة لجيش الإحتلال الإسرائيلي كله .. وتم عمل كمين لهم بواسطة عصام الدالي وقد أسفر هذا الكمين عن قتل ثلاثة أفراد إسرائيليين أتضح فيما أن بين هؤلاء القتلي نائب مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية ورئيس أركان القوات البحرية الإسرائيلية بالإضافة إلي أسر ضابط صاعقة إسرائيلي يدعي ياكوف رونيه .
2- عملية ميناء إيلات الأولي :
هذه العملية بالذات كانت فريدة من نوعها وتعتبر أول ضربة عربية للعمق الإسرائيلي منذ 1948 وكانت من أكثر العمليات التي حققت خسائر للعدو الإسرائيلي وفتحت الطريق بعدها لسلسلة من عمليات أستهدفت نفس الميناء إلا إنها لم يتم تسليط أضواء الإعلام عليها .. وتبلغ صعوبة تلك العملية ليس فقط في أنها الأولي من نوعها بل لأنه تم تنفيذها عن طريق فرد مقاتل واحد فقط وليس مجموعة كاملة من القوات الخاصة .. ففي إبريل 1969 تم تكليف الرائد عصام الدالي تكليفا شخصيا بهذه المهمة رغم أنه كان فرد ضمن المجموعة 39 قتال وصدر إليه الأمر التالى: “ستذهب في مهمة إلي الأردن وهناك تقابل المقدم إبراهيم الدخاخني قائد مكتب مخابرتنا في الأردن وسوف يعطيك ثلاثة صواريخ وسوف تقوم بضرب ميناء إيلات العسكرى ، ولكن عليك الحذر أن يقع أى صاروخ علي الميناء المدني أو مدينة إيلات” .. وأنطلق البطل عصام الدالي إلي الأردن علي الطائرة المدنية مصر للطيران باللبس المدني وإستلم الصواريخ الثلاثة من المقدم إبراهيم الدخاخني ولكنه في نفس الوقت إتصل عن طريق مكتب المخابرات العامة بالمصريين الذين يعملون مع “منظمة فتح” وطلب منهم أكبر عدد من الصواريخ وقد وفروا له مطلبه من الصورايخ وفعلا أحضروا له 30 صاروخًا ، ثم قام البطل عصام الدالي بتجهيز الصواريخ وفي ذاكرته الصور الأليمة لشهداء مدرسة بحر البقر من الأطفال الأبرياء التي دكتها الفانتوم الإسرائيلية بقنابلها منذ أسابيع قليلة ، ووجه عصام الدالي ال 33 صاروخ إلي “مدينة إيلات” بكل غيظ ، حيث أطلق صواريخه دفعة واحدة في إتجاه البلدة لتسقط علي أهدافها بدقة وتثير حالة من الهرج والمرج داخل الأوساط الإسرائيلية ، وقد إعترفت إسرائيل في صحافتها الرسمية بأن الخسائر البشرية وصلت إلي 100 قتيل وأكثر من 500 جريح .. وتعتبر هذه العملية أول عملية في العمق الإسرائيلي .
3- عملية نسف وإحراق ميناء الكرنتينة :
في يوم 30 أغسطس عام 1969 كان يوم عملية ميناء الكرنتينة ، وتكتسب منطقة ميناء الكرنتينة أهميتها من موقعها الجغرافي الهام حيث تقع علي الشاطئ الشرقي برأس خليج السويس أمام مدينة السويس .. وبعد إحتلال سيناء في يونيو 1967 بدأت الوحدات البحرية الإسرائيلية في إستخدام الميناء مما وفر لها قدرة عالية جدا علي المناورة والعمل ضد القوات المصرية البرية والبحرية علي الضفة الغربية للقناة .. وقد تعرضت موانئ السويس والأدبية وبورتوفيق لإغارات من القطع البحرية الإسرائيلية مستخدمة هذا الميناء المحوري ، فقررت القيادة العامة المصرية تكليف المجموعة 39 قتال بمهمة نسف وإحراق الميناء ومنع العدو الإسرائيلي من إستخدامه ، ونفذت المجموعة عدة عمليات إستطلاع لجمع المعلومات المطلوبة ووضع الخطة المناسبة للتصديق عليها .. وخلال هذه الفترة كان بطلنا عصام الدالي مسافرا إلي روسيا لأخذ دورة تدريبية وعند وصوله إلي مصر كان في إنتظاره المقدم إبراهيم الرفاعي ليقول له الرفاعي: إحنا هنعمل عملية مهمة يا عصام ، هننسف ميناء الكرنتينة ، وكان رد البطل عصام الدالي : “الله أكبر ، إمتي إن شاء الله يا فندم ؟” ، فقال له الرفاعي: “بكرة يا عصام ، جهز نفسك” .. وفي يوم تنفيذ العملية توجهت المجموعة إلي السويس لتجهيز المفرقعات والأسلحة والذخائر والمعدات المختلفة ثم تم التحرك إلي نقطة العبور .. ثم أخذ كل رجل موقعه في اللنش المخصص لمجموعته ، وإنطلقت خمسة لنشات من طراز زودياك تقل من تم تكليفه بالعملية من أسود المجموعة 39 قتال لتدمير ونسف ميناء الكرنتينة .. وكان في لنش القيادة الرفاعي ومعه القائد الثاني للمجموعة المقاتل عالي نصر .. وفي لنش الرائد عصام الدالي كان معه الملازم أول وسام حافظ .. وعلي الشاطىء حيث نقطة الإنطلاق كان أبيهم الروحي العميد مصطفى كمال ينتظر ويوجه المجموعة لاسلكيا .. وبعد إنتهاء عملية التلغيم وقف وحوش الصاعقة المصرية بزوارقهم علي مسافة أمنة إنتظارا لبدء الإنفجارات ومشاهدة نتيجة عملهم إلا أن التفجير تأخر بسبب الرطوبة العالية ليلتها ، مما إستلزم رجوع إبراهيم الرفاعي للمراجعة ومعرفة سبب تأخير الإنفجارات والقيام بالتفجير يدويا لإتمام العملية مهما كان الثمن ، وفي الوقت نفسه تلقي الرفاعى إتصالاً لاسلكياً من العميد مصطفى كمال :
• أصحابك حسوا بيك وقربوا منك.
ولم يرد الرفاعي علي الإتصال.
ويتلقي الرفاعي الرسالة الثانية :
• يا إبراهيم ، 3 بطات في إتجاهها إليك.
أما الرسالة الثالثة فكانت :
• البط أصبح علي أول البحر.
وهو معناه أن 3 دبابات للعدو الإسرائيلي أصبحت علي شاطئ الخليج في مواجهتهم ثم كانت الرسالة الرابعة :
• إرجع يا إبراهيم.
وبدلاً من أن يعود الرفاعي إلي الضفة الغربية للخليج إتجه إلي الضفة الشرقية بزورقه فقط في إتجاه ميناء الكرنتينة مباشرة بكل ما عليها من متفجرات يمكن أن تنفجر في أى لحظة بعد أن طلب من باقي الزوارق ألا تتحرك لتعمل كمجموعة ساترة له .. ولكن الدالي طلب من زميله وسام قائد زورقه اللحاق بقائده الرفاعي لمعاونته ، وبينما كان زورق الدالي في منتصف المسافة بين زورق الرفاعي القريب من ميناء الكرنتينة ومجموعة الزوارق الساترة بدأت الإنفجارات تتوالي وأشتعلت الميناء تماما ، فإنتبهت إحدي دبابات العدو الإسرائيلي لمكان الزوارق المصرية لما خلفته من خط أبيض علي سطح الماء يبين إتجاه حركته وفتحت عليه نيران مدفعها وبدأ الإشتباك بين الطرفين .. وبدل من أن تفر الزوارق المصرية هاجمت الدبابات الإسرائيلية ، وفي مقدمة المهاجمين زورق البطل عصام الدالي الذى هتف قائلا : “أفتح النار وغطوا ضهر الرفاعي مهما كان التمن” .. وكانت الدبابات الإسرائيلية تقصف الزوارق المصرية بطريقية عنيفة وكان قادة الزوارق المصرية يناورون ويقاتلون بمهارة منقطعة النظير إلا أن إستبسال زورق عصام الدالي وقربه من موقع الخطر نظرا لرغبته في البقاء قريبا من الرفاعي وتغطيته جعله مرمي قريب لدبابات العدو الإسرائيلي .. وفي لحظة طارت دانة دبابة إسرائيلية بعد إصطدامها بالماء وأطاحت برأس الرائد عصام الدالي وتدفقت الدماء مختلطة بأمواج البحر ومتناثرة علي جنبات الزورق .. اللهم ارحمه وارحم جميع شهدائنا الأبرار برحمتك الواسعة .
وقال البرلماني السابق وعضو الهيئة العليا لحزب الحركة الوطنية المصرية حاتم الدالي ” ابن شقيق الشهيد عصام الدالي ” ان ما قدمة شهداء نصر اكتوبر من بطولات وتضحيات سيبقي وسيظل تاريخ مشرف للعسكرية المصرية وللشعب المصري نحكية لابنائنا وأحفادنا نتعلم منهم كيف تكون التضحيات وكيف يكون الايثار وكيف يمكن ان نحافظ علي الوطن وعلي كرامته وعرضة حتي ولو كلفنا ذلك التضحية بالروح والجسد والنفس .
واضاف حاتم الدالي ابن شقيق الشهيد ان ما قدمة عمي عصام الدالي جزء مما قدمه آلاف الشهداء من ابطال قواتنا المسلحة انا ان نفخر بهم ونعتز بما قدموه وان نفهم ان الدفاع عن الوطن دونه كل شئ .
وتابع حاتم الدالي قائلاً : أأنا نتذكر في تلك الايام ذكري النصر بكل عزة وكبرياء فقد استطاعت قواتنا المسلحة ان تستعيد الارض وتحطم أسطورة الجيش الذى كان يزعم انه لا يقهر مشدداً علي إننا نفخر بجيشنا وقواتنا المسلحة التي تواصل التضحيات علي مر التاريخ من اجل الحفاظ علي تراب مصر الغالي حتي اصبح جيشنا حائط صد صلب وصلد للدفاع عن الوطن .
واختتم الدالي يتبقي سيرة الشهداء باقية وخالدة في ذاكرة الامة فكلهم ضحوا بدمائهم فى سبيل مصر فلن ننسي ابداً الشهيد عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق ولا العميد إبراهيم الرفاعى، قائد المجموعة 39 قتال ابطال قواتنا المسلحة في الماضي كما لن ننسي ايضاً الشهيد أحمد منسى، بطل الكتيبة 103 صاعقة وزملائه شهداء الحرب الدائرة علي الارهاب وستبقي سير الأبطال ممتدة الى ما لا نهاية .