د محمد رجب : أفشيت سر المشير عبد الحليم ابو غزاله لـ الرئيس مبارك
استقبلني بالأحضان في مكتبه وقدمني للقادة باعتباري صديق مقرب .. ويوسف والي نقل تفاصيل اللقاء للرئيس الاسبق
رن جرس التليفون في مكتبي ورفعت السماعة ، فوجدت صوتا يسألني : حضرتك الأستاذ محمد رجب ؟ ، فأجبته بالإيجاب , فقال : أنا المقدم أيمن , قلت : أهلا وسهلا , هل من خدمة يمكنني تقديمها لك ؟ ، قال : أنا مدير مكتب سيادة المشير أبو غزالة ، أنت قابلت المشير وطلبت منه تحديد موعد للقائه ، وهو يسألك عن الموعد المناسب لك للحضور ، قال : هل يناسبك غداً في التاسعة صباحا ؟ ، قلت : أفضل أن يكون اللقاء بعد انتهائه من واجبات وظيفته ، أي بعد الظهر لأنني أرغب في البقاء معه مدة أطول ، وبالتالي لا ينقطع حديثنا ، قال : فليكن موعدك الساعة الثانية بعد ظهر غد ، كنت قد التقيت المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في أحد اجتماعات الرئيس حسني مبارك فقدمت له نفسي والكارت الشخصي وطلبت منه أن أقابله .
– قهوة المشير
علي اية حال وقبل الموعد المحدد بخمس دقائق ، كنت واقفاً أمام باب وزارة الدفاع ، فوجدت من ينتظرني ليقودني إلى مكتب المشير ، وبالداخل وجدت عدداً كبيراً من أصحاب الرتب العسكرية العالية بالمكتب ، فتصورت أن كل أولئك ينتظرون لقائه ، فقلت للمقدم أيمن : يبدو أنني وصلت في وقت غير مناسب ، يمكنني أن أغادر وأعود في وقت آخر ، فابتسم وقال : موعدك الساعة الثانية ، في هذا التوقيت تماماً سيستقبلك المشير .
بالفعل بمجرد أن حلت الساعة الثانية قال لي المقدم أيمن تفضل بالدخول ، وتركني بدون أن يصطحبني ، وهي علامة على اعتبار أنني لست من الغرباء ، ولما دخلت وجدت المشير واقفا في منتصف مكتبه مرحبا بي بحرارة ، وعانقني وكأنني صديق قديم له ، قال : تفضل يا محمد بيه ، أنا تحت أمرك ، لكن قبل ما يشغلنا الحديث ، ماذا تحب أن تشرب ؟ ، ولما قلت لا داعي للمشروبات ، قال : أنا سأشرب قهوة فهل تشرب قهوة معي ؟ ، قلت : اشرب قهوة مع سيادتك .
– تفاصيل اول لقاء
حرصاً على وقت المشير تحدثت فيما أنا قادم من أجله مباشرة ، وقلت : جئت إليك في ثلاثة أمور ، الأول أن تساعدني في أن يعرف الشباب كل شئ عن حرب أكتوبر والنصر العظيم ، الثاني أن تساعدني في تشغيل الشباب الذين يتخرج منهم الآلاف كل عام ولا يجدون عملا ، والقوات المسلحة لديها مراكز للتدريب والتأهيل بمكنها مساعدة هؤلاء في تغيير وتطوير مهاراتهم ، أما الأمر الثالث فأن تلتقي بالشباب في معهد إعداد الكوادر الشبابية بمدينة السلام .
استمع المشير منصتاً ورحب بكل ما طلبته ، واستدعى ثلاثة ممن يحملون رتبة اللواء الموجودين بمكتبه ، هم اللواء منير شاش الذي صار محافظا لشمال سيناء فيما بعد ، واللواء كمال حجاب المسئول عن مراكز التدريب المهني ، واللواء بحري فؤاد لبيب وكان مساعد الوزير للشئون المالية ، قدمني المشير إليهم وعرفهم بي باعتباري صديقاً له ، وشرح لهم ما طلبته منه وأبلغهم موافقته ، وطلب منهم تقديم كل العون للشباب ، وقال إنه مهتم شخصيا بما طرح من نقاط .
– مش هناخد حق ولا باطل مع محمد رجب
واجتمعت مع اللواءات داخل مكتب المشير لمدة تقرب من ساعتين ، بينما هو جالس بمكتبه يدير مهام وظيفته ، وخلال الاجتماع سألني مساعد الوزير للشئون المالية : من الذي سيتحمل تكاليف هذه الأمور ؟ ، قلت : سيادة المشير هو اللي ها يتحمل التكاليف ! ، التفت المشير وسألني : صحيح يا محمد ، مين اللي ها يتحمل التكاليف ؟ ، قلت : سيادتك طبعاً ، أنا شرحت لسيادتك انني والشباب لا نملك شيئا ، وكما يقال ” يا مولاي كما خلقتني ” ، كل ما أستطيعه تجنيد الشباب للصالح الوطني ، لكن التكاليف المالية هاتكون على سيادتك ، مش حضرتك الذي ستدعو الشباب لزيارة سيناء واستضافتهم في مراكز التدريب ؟ ، إذن حضرتك المضيف الكريم الذي سيتحمل ، ابتسم المشير وقال لمساعده : خلاص احنا نتحمل التكاليف كلها .
خناقة .. مين يدفع تمن وجبة الغداء ؟
فقال مساعده : هناك مشكلة ، سيتناول الشباب وجبتين في نادي الضباط خلال الذهاب والعودة ، ولا نستطيع تحملها فموازنة النوادي مستقلة ، ووجه سؤاله للمشير : مين اللي ها يدفع ثمن الوجبة يافندم ؟ . فسألني المشير : صحيح مين اللي ها يدفع يا محمد ؟ ، فسألت المساعد : كم ثمن الوجبة ؟ ، قال : خمسة جنيهات لكل وجبة ، قلت بلهجة لا تخلو من التهكم : ها دفعها أنا ، فقال المشير : خلالص يا كمال , محمد حلها لك ، قلت : حل إيه يا سيادة المشير ! ، هل يعقل أن أبلغ الشباب بأن المشير يدعوهم لزيارة سيناء على نفقة القوات المسلحة ، وأعود أقول لهم لكنكم ستتحملون عشرة جنيهات قيمة وجبتي الغذاء ؟ ، هل يعقل ؟ ، ونظرت إليه مثبتاً نظري في عينيه ، وقلت : كتر خير حضرتك ، وكأنك عزمتني لكي أشرب القهوة ، وأثناء خروجي جاء العامل ليطلب مني جنيهين ثمن فنجان القهوة ، ولو حاولت إقناعه أن سيادتك الداعي لن يقتنع .
نفس هذا الموقف سيحدث مع الشباب ، الذي سيتساءل : كيف يدعونا المشير لرحلة ستتكلف الكثير ، بينما يطالبنا بسداد ثمن الغذاء ! ، ووجهت كلامي إليه قائلا : حضرتك كمن دعا الشباب على أكلة معتبرة ، لكنها فسدت لعدم وجود ملح ، ضحك المشير وقال لمساعده : خلاص يا كمال أنا ها تحمل هذا المبلغ ، لأننا مش ها نعرف ناخد حق ولا باطل مع محمد رجب .
– رحلة تاريخية لأرض المعركة
بالفعل بدأ برنامج موسع بالتعاون مع المشير والقوات المسلحة ، شارك فيه آلاف الشباب ، زاروا خلاله سيناء والتقوا مع رجال القوات المسلحة ، الذين شاركوا في الحرب ، وحكوا لهم عن البطولات وعن تفاصيل المعارك ، فكان ذلك أفضل من المحاضرات النظرية التي كان يمكن أن نلقنها للشباب ، فقد كانت معالم الحرب وآثارها مازالت موجودة على الأرض ، وهو ما أتاح للشباب فرصة التخليل لما دار من معارك رهيبة ، وكان حطام دبابات العدو مجسدا لحجم الحرب ، وحجم النصر ، وزار الشباب خط بارليف الذي انهار تحت أقدام جنودنا ، وكان من حسن حظ الشباب أن الضباط المصاحبين لهم في زياراتهم على أعلى قدر من الكفاءة والوعي ، بما يؤدونه من دور وفهم لطبيعة هذه الزيارات وفوائدها للشباب .
– زيارات متكررة لـ وزارة الدفاع
تكررت زياراتي للمشير الذي كان دائما مرحبا بالزيارة ، وبما يدور خلالها من نقاش حول قضايا الشباب ، وكان دائم السؤال عن مدى تأثير برنامج الزيارات إلى سيناء ، وما يمكن أن يؤدي إلى تحسين النتائج ، وكان الجزء الثاني من مطالبي للمشير يتم على أكمل وجه وهو عملية التدريب التحويلي للشباب ، الذين كانت تسهيلات القوات المسلحة لهم غير مسبوقة ، بل كانت تنقله من وإلى مراكز التدريب سيارات القوات المسلحة ، وقام الشباب بتولي مسئوليات في مجال عملهم بأقل التكاليف ، وانتشروا يمارسون عملهم ومهامهم الوطنية في نفس الوقت .
– سر مشروح استصلاح الـ مليوني فدان
اتصل بي المشير ذات يوم وطلب مني الحضور إلى مكتبه ، هناك طلب عدم دخول أي شخص ، وحدثني عن مشروع كبير ينوي عرضه على الرئيس مبارك بعد بلورة كل التفاصيل ، أخرج المشير شاشة عرض وقام بنفسه بعمل _ بريزنتيشن _ أو تقديم للمشروع والخرائط مع شرح وافي ، وكان المشير قد طلب دراسات حول المناطق الجنوبية لمصر من حيث قابليتها للاستصلاح والاستزراع ، فوجد أن هناك ما يقرب من مليوني فدان صالحة للزراعة ، لكن ينقصها المياه ، وقال إنه توصل من خلال القوات المسلحة إلى طريقة يمكن بها استخدام أجهزة معينة لتحلية مياه البحر وزراعة كل هذه المساحة ، وأضح أنه طلب لقائي لكي يتأكد إن كان الشباب يوافق على العمل في المشروع ، فأكدت له أن الشباب يوافق فورا على العمل في المشروع ، طالما أنه يحقق أهدافا وطنية كبيرة ، ولأنه سيستفيد بالعمل كوظيفة تحقق ذاته وتوفر له الحياة الكريمة ، وأكد لي المشير أن هذا المشروع لا يعلم به أحد سواه وأنا ، وطلب مني أن يكون كلامنا الذي تم في مكتبه في غاية الكتمان ، وألا أبوح به لأحد مهما كان ، وعندما يعرض الموضوع على الرئيس سيقوم بجولة ، وسأكون أنا موجود معهم .
– يوسف والي عرف مني التفاصيل
سرني هذا المشروع ، وبدأت أفكر فيما يمكن أن يعود به على مصر وعلى الشباب ، وبعد أن خرجت من عند المشير ذهبت للقاء الدكتور يوسف والي الأمين العام للحزب الوطني ونائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة ، وكان الوقت مبكرا فسألني : ما الذي جعلك تبكر في الخروج والحضور ؟ ، وبدون تركيز قلت له : أنا قادم من عند المشير أبو غزالة ، أثير انتباهه وتساءل : ما الذي دفعك لزيارته ؟! ، واستكمالا لعدم التركيز حكيت له بالتفصيل عن الزيارة ، وعن مشروع المشير ومدحت في المشروع ، ولم يعقب الدكتور والي على كلامي .
مر شهر أو أكثر وفي لقاء قابلت المشير وسألته عن أخبار المشروع ، فانتحى بي جانبا وسألني : هل أبلغت الرئيس عن المشروع ، قلت : لم أبلغ الرئيس ، ولم ألتقي به أصلا ، وهذا حقيقي لكني شعرت بالذنب لما قلته للدكتور والي ، فقال المشير : يبدو أن الرئيس علم بالمشروع ، فبمجرد أن فاتحته وأردت أن أعرض عليه المشروع بادرني بما أكد لي أنه على علم بالموضوع ، وقال : مش وقته يا محمد ( أبو غزالة ) بعدين نشوف الموضوع ده .
– ثقة واعتزاز بالنفس
من سمات المشير أبو غزالة ثقته بنفسه ، واعتداده بشخصه ، لذلك كان صريحاً في حواراته مع الشباب ، وحتى خلال جلسات لجنة الدفاع والأمن القومي ، سواء بمجلس الشعب أو بمجلس الشورى ، فكان لا يحجب أسراراً ، طالما لا تمس الأمن القومي ، بل كان يسمح بفتح اللجنة لحضور الصحفيين ، مؤكدا ثقته في وعيهم ووطنيتهم ، لذلك عندما كررت دعوتي له للقاء الشباب بمعهد السلام ، وجدوا منه ذخيرة توعوية ومعلوماتية .
– ابو غزالة المشير السياسي
في البداية امتنع عن قبول الدعوة بسبب حساسيته ، وخشيته أن يفسر البعض هذه اللقاءات أو يؤولها تأويلا على غير حقيقته ، وقال لي : انا رجل عسكري ولا علاقة لي بالسياسة ، فقلت : سيادتك عسكري بصفتك القائد العام للقوات المسلحة ، لكن سياسي بحكم كونك وزير الدفاع ، ولما استجاب كان حريصاً على أن تكون لقاءاته على أعلى مستوى من التنظيم والفائدة ، فكان يسبقه قادة كبار من أكاديمية ناصر العسكرية ، ومعه متخصصون فنيون لكي يعدوا قاعة اللقاء بكل وسائل الشرح والتقديم والأفلام والخرائط ، أعجب الشباب بالمشير الذي كان شخصية وطنية عظيمة له باع في الثقافة العسكرية والثقافة العامة ، ويعرف كيف يزيل الحواجز بينه وبين الآخرين ، فالتف حوله الشباب ، ووثقوا فيما يقول ، ورأوا فيه قيادة غير تقليدية ، وهو أشبع عطشهم للمعرفة ، وزادهم من جرعة الوطنية ، واعياً دوره ومقدراً دورهم .
كان أبو غزالة عسكرياً من الطراز الأول ، كما كان سياسياً من مستوى رفيع .
كاتب المقال : زعيم الاغلبية الاسبق بمجلس الشوري
والمستشار السياسي لرئيس حزب الحركة الوطنية المصرية