شخصيات و مقالات

د محمد رجب يكتب : فؤاد محي الدين افشل سيناريو تنصيب ابو غزالة رئيساً وساند مبارك

رفضت ان اكون وزيراً .. حتي لا اخون صديقي عبد الأحد جمال الدين.. وكمال الشاذلي قال لي : " يا خايب حد يرفض يبقي وزير "

لم أتوقع أن يكون الدكتور فؤاد محيي الدين صديقاً مقرباً مني إلىّ هذا الحد حتى توفاه الله ، وبداية علاقتي معه كانت بسبب مظاهرات الطلبة ، التي جرت في الإسكندرية عام 1972 ، وقت أن كان محافظاً هناك ، كنت وقتها أميناً مساعداً للتنظيم بمنظمة الشباب ، وكان الدكتور كمال أبو المجد أميناً عاماً ، فسافرنا لمقابلة المحافظ الذي كان لقائي معه الأول ، بعدها توجهنا لمقر المحافظة ، لم أشعر إيجابياً ناحية الدكتور فؤاد محي الدين ، الذي كان مشغولاً ومتوتراً ، بسبب المظاهرات التي خرجت تندد بحالة اللا سلم واللا حرب ، التي كنا نعيشها في ذاك الوقت .

– علاقة قوية استمرت على 12 عاماً

وكان المحافظ يخاطب الدكتور كمال أبو المجد ، الذي يعرفه جيداً بينما كان يعتقد أن عمري الشاب لا يسمح لي بتكوين رأي سياسي مناسب للأحداث ، كان المحافظ متعجلاً لإنهاء اللقاء ، لكني طالبته بالانتظار واستمرار المناقشة ، فتوقف لحظة ثم طلب مني مواصلة الحديث في أحد مكاتبه بالمحافظة ، وبعدها واصلت حواري معه خلال قيامه بتوديعنا ، ليستمر الحديث مع المحافظ ، وكان بداية لـ علاقة قوية استمرت على مدى 12 عاماً ، كانت الباقية من عمر هذا السياسي المخضرم .

استمرت اتصالاتنا ومناقشاتنا حول شتى الموضوعات بعد ذلك ، إلى أن التقيته في مؤتمر أقمناه لإعادة تنظيم منظمة الشباب ، كان المؤتمر على مرحلتين ، عقد الاجتماع الأول منه في مقر الاتحاد الاشتراكي على كورنيش النيل ، والذي تم هدمه بعد أحداث 25 يناير 2011 ، وكان الدكتور فؤاد محي الدين قد عين وزيراً ، ويحضر أحد الاجتماعات داخل المبنى ، ولما علم بانعقاد مؤتمرنا ، حرص على الحضور والمشاركة ، وقد استقبلناه بما يليق به ، وقال لي وهو فخور : لقد كنت قائداً للحركة الطلابية في الجامعة ، لذل آمل أن تدعوني لمؤتمراتكم وفعالياتكم التي تقومون بها .

– وطن بدون شباب وطن بدون مستقبل

كان محبا للشباب ، وله مقولة يرددها : ” وطن بدون شباب .. وطن بدون مستقبل .. وحزب بدون شباب .. حزب بدون مستقبل ” ، وكنت أنسق معه في ترشيحات الشباب عام 1984 لمجلس الشعب ، وعرضت عليه ترشيحات أمانة الشباب ، ووافق على معظمها ، وبقيت دائرة مركز ساقلتة بسوهاج ، وكان يشغل مقعد المجلس بها أحد كبار عائلة عاشور ، ولكننا في أمانة الشباب رشحنا فاروق عاشور أيمن شباب المحافظة ، وهو قريب للنائب الذي كان موجوداً ، وسعى النائب مع المحافظ لإقناع فاروق عاشور بالتنازل لصالح قريبه ، لكن فاروق رفض ، واتصل بي الدكتور فؤاد وقال : موضوع فاروق عاشور خلص ، فسألته : كيف ؟ ، فقال : فاروق تنازل لصالح قريبه ، والمحافظ أكد لي أن لا مشكلة ، قلت له : غير صحيح ، فاروق لم يتنازل ، وطلبت منه أن يعطيني فرصة للتأكد مما قال .

على الفور اتصلت بفاروق عاشور في سوهاج ، وعاتبته على ما سمعت من رئيس الوزراء ، فأكد فاروق أنه لم يتنازل ، وهو مصمم على الترشح ، فطلبت منه الحضور فوراً إلى القاهرة ، وبالفعل وصل خلال ساعات ، وأثناء وجوده بمكتبي اتصلت بالدكتور فؤاد ، وراجعته فيما قاله المحافظ ، لكني وجدته يؤكد ان فاروق تنازل ، فقلت له : ” فاروق معي بالمكتب ” ، وهو ينفي تنازله , فطلب مني أن يذهب فاروق إليه ، وبالفعل سارع فاروق في الذهاب إليه بمجلس الوزراء ، وخلال وجوده اتصل محيي الدين بالمحافظ ، الذي كان كلامه متردداً ، وقال له : إننا نبذل محاولات لإثنائه عن الترشح ، فحسم د. فؤاد الأمر ، وقال له سيتم ترشيح فاروق عاشور .

– الشباب كان ينام في الخيام الممزقة

اذكر انه لم يعتذر أبداً عن دعوة ، وجهتها له لحضور معهد السلام الخاص بالشباب ، وأنشأنا المعهد بجهود مضنية ، وكان الشباب يبيت في خيام في ظل برد قارس أو حر قائظ ، حتى كانت مرة دعوته للقاء الشباب ، وقال إنه سيقوم بتوديع ضيف أجنبي في الساعة التاسعة ، فإما أن يلتقينا قبل اللقاء أو بعده ، وتوجست أن يخرج من المطار لاستكمال مهامه ، فقلت له أفضل أن تزورنا قبل توديع الضيف ، فوافق ، ولما وصل كان الجو شديد البرودة ، ولم تكن مدينة السلام عامرة كما هي الآن ، لذلك تأثر وعبر عن تأثره بالبرد ، فقلت له إن الشباب ينام في الخيام الممزقة هذه ، فتساءل : هناك الكثير من العمارات ، فلماذا لا تحصلون على اثنين منها لتقيموا فيها معهدكم ومعسكركم ، وعلي الفور انتهزت الفرصة ، وحررت له خطاب وجده على مكتبه في اليوم التالي ، طلبنا فيه تخصيص ثلاث عمارات للمعهد .

لم يمضي وقت طويل ووجدت سعد مأمون محافظ القاهرة يتصل بي ، ويسألني : لماذا لم تحضروا لاستلام العمارات المخصصة لكم ، وانتهزت الفرصة وطلبت منه أن يحيط العمارات بسور خاص ، وبعض التسهيلات الأخرى ، وقد قدم المعهد خدامته لأجيال من الكوادر السياسية الشبابية على مدى سنوات طويلة ، وأذكر طرفة خلال زيارة د. فؤاد لنا في المعهد ، أنه خرج من بيته ونصف ذقنه غير حليقة ، ولما لاحظت ذلك طلب موس حلاقة ودخل دورة المياه لحلاقة ذقنه ، قبل لقاء وتوديع الضيف الأجنبي .

– السادات قال لـ مبارك محيي الدين زعيم وأخشى عليكم منه

كان محيي الدين من طراز من السياسيين ، القادرين على البقاء واستمرارهم في الحياة من خلال إمكانياته وسماته الزعامية ، التي لم يكن من السهل الاستغناء عنها , ولما شكل الرئيس أنور السادات الحزب الوطني الديمقراطي اجتمع مع قيادات الحزب الجديد وكان منهم محمد حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية وقتها , فلما عرض التشكيل لم يكن اسم فؤاد محيي الدين موجوداً , وكان مبارك يعرفه عن قرب حيث كان مبارك مديراً للكلية الجوية في بلبيس بالشرقية وقت أن كان محيي الدين محافظا للشرقية ، قال مبارك إن محيي الدين يتمتع بإمكانيات سياسية وكفاءة ، وطلب أن يتضمن تشكيل المكتب السياسي للحزب الوطني اسم فؤاد محيي الدين , فاستجاب الرئيس السادات لكنه عقب قائلاً _ حسبما سمعت من شخصية مشاركة في الاجتماع _ فؤاد محيي الدين زعيم وأخشى عليكم منه , أما أنا فلا مانع عندي من ضمه للمكتب السياسي .

– مظاهرات الخبر رفضتها الحكومة واصر عليها السادات

لكن وجود محيي الدين في عضوية المكتب السياسي للحزب لم يمنع من إبعاده عن التشكيل الوزاري ، كان د. فؤاد وزيرا لشئون مجلس الشعب في حكومة ممدوح سالم ، الذي كان في نفس الوقت رئيسا لحزب مصر العربي الاشتراكي ، وبعدما أنشأ الرئيس السادات الحزب الجديد كلف د. مصطفى خليل برئاسة الحكومة الجديدة ، وفكر السادات في إنشاء حزب جديد بعد أحداث 17 و18 يناير 1977 ، والتي سميت بمظاهرات الخبز .

كان السادات قرر أن يزيد من أسعار بعض السلع ومنها رغيف الخبز ، اجتمع معنا ممدوح سالم وكنت عضواً بالمكتب السياسي لحزب مصر ، وعرض علينا موضوع زيادة الأسعار ، فطلبنا منه إرجاء هذا الأمر ، وألح محمد حامد محمود وكان وزيرا للحكم المحلي في طلب إرجاء الأمر ، فدعا ممدوح سالم نائبه ، الدكتور عبد المنعم القيسوني المسئول عن الاقتصاد ، ليشرح لنا الوضع ، ولما وجد أننا رافضون لزيادة الأسعار ، أكد لنا أن هذا القرار يرغب في تطبيقه الرئيس السادات نفسه ، فلما احتدم الأمر وخرجت المظاهرات وجد السادات أن يتخذ من ممدوح سالم كبش فداء وأن يقيله ، وفي نفس الوقت كان من المناسب بعد تأسيس الحزب الجديد أن يتم تشكيل حكومة جديدة كلف بها د. مصطفى خليل .

– حكاية استبعاد فؤاد محي الدين من الوزارة

تم إبلاغ الدكتور محيي الدين بأنه سيتولى وزارة الصحة ، ولن يستمر وزيراً لمجلس الشعب ، لكن إعلان التشكيل الجديد للحكومة لم يتضمن اسم فؤاد محيي الدين ، تضايق محيي الدين وكان يبدي لأصدقائه ضيقه هذا ، حيث لم يجد مبررا لإبعاده عن منصب الوزير ، اتصلت به لكي أخفف عنه وأطمئن عليه ، فوجدته منفعلاً ، وقال : لماذا لا تتصل بي يا محمد ، فقلت له : لقد اتصلت بك كثيرا ولم ترد ، فصاح حزيناً مش صحيح ، التليفون من ساعة ما خرجت من الوزارة لم يرن مرة واحدة ، بينما عندما كنت وزيراً ، لم أكن أتمكن من حلاقة _ ذقني _ ، على مرة واحدة ، وأنا أحب أن أرد على التليفون بنفسي ، ثم هدأ وقال إنهم أبلغوه إنه سيتولى وزارة الصحة بدلا من مجلس الشعب ، لكن التشكيل خلا منه تمام ، ولم يتولى الصحة ولا أي وزارة ، سألني د. فؤاد : هل عندك أي معلومات عما حدث ؟ ، قلت : نعم لدي معلومات ، فطلب مني أن أزوره في بيته ، لكي أحيطه علما بما حدث .

قلت له : كنت السكرتير العام لحزب مصر الحاكم ، وكان د. مصطفى خليل الأمين الأول للجنة المركزية المسئول عن توزيع تركة الاتحاد الاشتراكي العربي على الأحزاب الثلاثة ، مصر والأحرار والتجمع ، وقتها كنا نرى كأعضاء في حزب مصر أن هناك افتئاتا على نصيب الحزب من التركة وكنا نشكو لك ، فتقوم بمخاطبة د. مصطفى خليل بلهجة تعنيف ، ويبدو أن هذا الأمر ترك رواسب لم تمحوها السياسة ، من قبل ، وكان د. مصطفى قد يستمع وقد يستجيب ، لكنه الآن صار يحمل لقب دولة رئيس الوزراء ، سرح د. فؤاد للحظات وعاد ليقول : كنا سنخاطبه يا محمد باللقب الجديد ، ونبدي اللازم من التقدير ، كلمات د. فؤاد كانت معبرة عن شخصيته كسياسي محترف , فهو ليس عنيداً ، ولا يأنف من مجاراة الأوضاع ، ولديه من المرونة ما يجعله يتجاوب مع الظروف المختلفة ، وهو ما عاد به مرة أخرى بعد فترة قصيرة لتولي منصب رئيس الوزراء ، كان محيي الدين قد ترك وزارة شئون مجلس الشعب ، وفي نفس الوقت ترك محمد حامد محمود وزارة الحكم المحلي .

– نصبوا لـ محي الدين فخ في انتخابات شبرا ونجا منه

خروج محيي الدين من الحكومة ، ترك انطباعاً بأنه مغضوب عليه ، وجاء خروجه مواكباً لتشكيل الحزب الوطني الجديد الذي كانت قيادته لا تتقبله كثيرا ، لذلك حاولوا نصب فخ له في انتخابات مجلس الشعب ، كان محيي الدين عضوا بمجلس الشعب عن دائرة شبرا الخيمة ، مبتعداً عن دائرة عائلته كفر شكر ، وتاركاً إياها لقريبه خالد محيي الدين ، تمثل الفخ في دفعه للترشح في دائرة عائلته كفر شكر ، وبالتالي يفقد الاعتبار عند العائلة ، وإذا ترشح بالفعل فإنه إما سيفوز ، أو سيخسر ، وبالتالي يكون قد تم التخلص من أحد قطبي عائلة محيي الدين ، وتم زرع الفتنة في العائلة والدائرة ، وكنت حاضراً تلك الجلسة ، التي تم فيها تدبير المؤامرة لفؤاد محيي الدين ، ولم يكن من الشهامة والعلاقة بيننا أن أتغافل عما جرى في حضوري وألا أبلغه ، وقد أبلغته بالفعل وغلفت الحيرة كلماته ، وهو يستشيرني عن التصرف المناسب لمواجهة الفخ .

– كشفت المؤمرة وحذرته منها

اقترحت أن نلتقي لكي نتشاور في الأمر , ولم يكن هناك مكاناً مناسباً للقاء سريع ، إلا في مكتبي بأمانة الحزب بشارع قصر العيني ، ولما وصل نزلت لاستقباله ، لكنه رفض الصعود معي ، لكن رآه عبد اللطيف بلطية أمين القاهرة ، فتساءل عن سبب حضوره فشرحت له أبعاد المؤامرة ، اقترحت على د. فؤاد خطة لمواجهة وإجهاض المؤامرة ، وطلبت من مدير مكتبه يسري فايد ، وكان من القيادات الشعبية بدائرة شبرا الخيمة ، أن نبادر وننظم مؤتمراً موسعاً بدائرة شبرا الخيمة ، وندفع بعض أنصارنا للحديث بصيغة العتاب والإلحاح في ترشحه بشبرا الخيمة ، فيقوم أحدهم معاتباً : لماذا تريد أن تترك دائرتنا يا دكتور فؤاد ؟ ، هل أنت غاضب منا ؟ ، نحن نحبك ولا نريدك أن ترشح نفسك في غير شبرا الخيمة .

تتوالى الكلمات والخطب بهذه الطريقة وتتصاعد إلى حد الإلحاح في المطالبة بإعلان الترشح في دائرة شبرا الخيمة , وتم تنفيذ هذا السيناريو بالفعل وتخطى د. فؤاد الفخ ونشرت الصحف بعناوين بارزة الخبر مما استفز المكيدون لمحيي الدين من داخل الحزب الوطني فرشحوا للدائرة ثلاثة مرشحين وليس اثنين فحسب , وكان المرشحان الآخران من العمال والفلاحين أي أن فرصهم في الفوز أكبر ، لكن محيي الدين استطاع أن يحقق الفوز من الجولة الأولى وجاءت الاعادة بين المرشحين الآخرين ، وبعد إعلان نتائج الانتخابات طلب الرئيس السادات أن يتولى د. فؤاد رئاسة لجنة العلاقات الخارجية ، وأن يتولى محمد حامد محمود رئاسة لجنة الحكم المحلي ، لكن رفض محمد حامد محمود رئاسة اللجنة , بينما تشاور محيي الدين مع أصدقائه وأنا منهم , ولما سألني عن رأيي في القبول برئاسة اللجنة , قلت له : هل تنوى العودة لممارسة مهنة الطب مرة أخرى ؟ قال : لا .. وسألته : إذن أنت في حاجة إلى مكان تمارس منه العمل السياسي والنيابي ويكون لديك مكتبك الذي تستقبل فيه من تتعاون معهم وكذلك أصدقاءك .

بالفعل وافق على أن يكون رئيسا للجنة العلاقات الخارجية ، ولما التقى الرئيس السادات مع محمد حامد محمود سأله : لماذا رفضت رئاسة لجنة الحكم المحلي ؟ ، رد قائلا : لقد كنت وزيراً لخمس سنوات ولا يصح أن أرأس لجنة في مجلس الشعب , فقال السادات : فؤاد محيي الدين كان وزيراً مثلك ووافق على رئاسة لجنة بالمجلس عارف ليه , علشان هو سياسي .

– عائلة عريقة وتاريخ مشرف مع الضباط الاحرار

كان د. فؤاد من أبناء عائلة محيي الدين بكفر شكر التي شاركت في ثورة يوليو 1952 باثنين من أبنائها البارزين في مجلس قيادة الثورة , البكباشي زكريا محيي الدين أحد أخطر العقول التنظيمية ، والذي أنشأ جهاز المخابرات المصرية ونظم الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب والتنظيم الطليعي , والصاغ خالد محيي الدين السياسي النزيه الذي صمد مدافعاً عن مبادئه وما اعتقد أنه الحق ، درس فؤاد الطب وتخرج متخصصاً في مجال الأشعة واستمر في دراسته حتى حصل على درجة الدكتوراه عام 1969 , لكن في مشواره الدراسي كان هناك مواكباً مشواره السياسي حيث انخرط في عضوية اللجنة الوطنية للعمال والطلبة مكافحاً ضد الإنجليز وفاز في انتخابات مجلس نقابة الأطباء واستمر عضواً وأميناً عاما من 1956 حتى عام 1965 واستمرت عضويته بمجلس الشعب حتى مماته في عام 1984 .

– كان يقول لـ زملائه الطلبة : سأكون رئيساً للوزراء

مرت حياته السياسية بمحطات عديدة , فقد كان أصغر أمين للاتحاد الاشتراكي لمحافظة القليوبية وعين محافظا للشرقية في عمر 42 عاما ثم محافظاً للإسكندرية وبعدها للجيزة كما عين وزيراً للحكم المحلي ، وتولى مسئولية المجلس الأعلى للشباب والرياضة وملف الإعلام لفترة ، كل هذه الخبرات جعلت منه سياسياً من الطراز الأول من هؤلاء الذين رسموا ملامح السياسة الداخلية في مصر حزبياً وبرلمانياً ولن ينساهم التاريخ .

لذلك ربما تعثر د. فؤاد أحيان , لكنه كان قادراً على النهوض مرات ومرات ، متمتعا بنفس سياسي طويل أوصله في النهاية إلى رئاسة الحكومة ، وهو أعلى منصب يمكن أن يتولاه أحد ، ومن القصص التي تروى عنه أن زملاءه في كلية الطب كانوا يرون فيه أنه سيتولى منصب الوزير ، لكنه كان يؤكد لهم أنه سيتولى رئاسة الوزراء ، وهو ما حدث بالفعل ، وكثيراً ما يسألني البعض : لماذا لم تتولى منصب الوزير بينما صديقك العزيز د. فؤاد محيي الدين كان يمكن أن يضمك للتشكيل الوزاري بسهولة . لم يتردد د. فؤاد في ترشيحي للوزارة أو لرئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة , لكني اعتذرت ، ولذلك قصة .

– رفضت عرض محي الدين لـ أكون وزيراً

كان رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الصديق العزيز د. عبد الأحد جمال الدين ، وكنت مستشاره بالمجلس , وعندما عرض عليَ د. فؤاد رئاسة المجلس كان د. عبد الأحد محتجزاً في المستشفى يجري جراحة ، فاعتذرت , وقلت له إن د. عيد الأحد صديقي وأقابله عدة مرات يومياً ، وأكلنا معا عيش وملح , فلا يصح أن يتم تعييني خلال هذه الظروف التي يمر بها , ورغم أنك ستعين د. عبد الأحد في منصب آخر إلا أنني أفضل أن يكون التوقيت مختلفاً ، فقال لي : لا تقلق من ناحية عبد الأحد , فسوف يتم تعيينه في منصب آخر بالفعل , لكني كررت اعتذاري وكان حاضراً ذلك اللقاء النائب كمال الشاذلى ، وبعد أن خرجنا من مقابلة رئيس الوزراء الدكتور فؤاد محي الدين , قال لي الشاذلي : يا خايب , حد يرفض يبقى وزير ! ، رئيس الوزراء يلح عليك وأنت ترفض وتقوله صديقي ولا أخوية , خليك كدة خايب ، ربما لم أعين وزيراً وعين زملاء وتلاميذ لي وزراء , لكني في راحة كبيرة لأني لم أنتهز الفرصة وأشعر بخيانة صديقي المرحوم الدكتور عبد الأحد جمال الدين .

لم يمضي وقت طويل حتى قرر السادات إجراء تغييرات في المشهد السياسي الداخلي ، فأقال د. مصطفى خليل وقرر تشكيل حكومة جديدة برئاسته كما قرر أن يتولى د. فؤاد محيي الدين منصب النائب الوحيد لرئيس الوزراء والذي يقوم بتسيير العمال في مجلس الوزراء , وكلفه السادات أيضا بأن يتولى مقابلة المرشحين لتولي مناصب الوزراء .

– قصته مع مبارك وابو غزالة بعد اغتيال السادات

بعد اغتيال السادات اجتمع المكتب السياسي للحزب ، كما اجتمع مجلس الوزراء ودارت مناقشات بشأن الرئيس الجديد ، وأكد الدكتور فؤاد محيي الدين نائب رئيس الوزراء والقائم بعمل رئيس الوزراء أن الحكومة والحزب سيلتزمان بالدستور ، الذي ينص على أن يتم الاستفتاء على نائب رئيس الجمهورية ليكون رئيسا للجمهورية ، وهو ما يعني أن يكون الرئيس الجديد هو محمد حسني مبارك .

تخوف البعض خلال المناقشات من أن يكون للقوات المسلحة رأي آخر ، وقال البعض إن الجيش ربما يرغب في ترشيح المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة للرئاسة ، صمم محيي الدين على إعمال النص الدستوري ، فطلب الأعضاء منه أن يتصرف في هذا الشأن بما يجنب البلاد أي مشاكل ، قام محيي الدين بإبلاغ المشير أبو غزالة ، بما دار فكان رده أنه ملتزم بالدستور ، وبكل ما هو في مصلحة البلاد .

– أول رئيس وزراء في عهد الرئيس حسني مبارك

وكان فؤاد محيي الدين أول رئيس وزراء في عهد الرئيس حسني مبارك ، وفي عام 1984 أجريت انتخابات مجلس الشعب الجديد بنظام القائمة المطلقة وكان محيي الدين على رأس قائمة محافظة القليوبية ، فقد كان رئيس الوزراء وأمين عام الحزب الوطني , وبعد انتهاء الانتخابات كان لي معه حديث مهم قبل وفاته بيوم واحد , سألته عما ينوي فعله في الفترة القادمة , قال إنه غالبا سيترك رئاسة الحكومة ويتولى رئاسة مجلس الشعب , وسألني عن رأيي في هذه الخطوة فقلت له لا بأس بها طالما إن صحته ليست على ما يرام , فأكد لي أن صحته جيدة لكنه منذ 14 شهرا يقاوم ضغوط صندوق النقد الدولي وشروطه التي يريد أن يفرضها على مصر .

قال إنه راجع كل أحوال الدول التي تدخل فيها الصندوق فوجد أنها انهارت أو تعرضت لمشاكل لم تنجو منها , كما قال إنه يقاوم بمفرده لذا فهو يشعر بأنه خلال الفترة القادمة لن يستطيع وقف ضغوط الصندوق إذا استمر رئيسا للوزارة ، وبالتالي فمجلس الشعب سيكون موقعاً مناسباً بعد أن يترك الوزارة ، فسألته وكيف سيكون ذلك ؟ ، قال : سأحضر إفطار رمضان اليوم مع الرئيس مبارك وخلال ذلك سأناقش الموضوع معه , وغدا يمكن أن نلتقي وستعرف كل التفاصيل .

انتهى حديثي معه على أساس أن نلتقي في اليوم التالي وأعددت نفسي لزيارته ، ولكن اتصل بي أحد الضباط ، وأبلغني أن الدكتور فؤاد محي الدين توفاه الله بمجرد أن دخل مكتبه بمجلس الوزراء اليوم .

كاتب المقال : زعيم الأغلبية الأسبق بمجلس الشوري والمستشار السياسي لرئيس حزب الحركة الوطنية المصرية

زر الذهاب إلى الأعلى